2-
الناس جماجم ورؤوس (Craniometry)
:
قبل ظهور نظرية داروين في التطور البيولوجي التي استحوذت على خيال
العلماء والمفكرين في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كان
العلماء الغربيون في تحديد أصل الإنسان ينقسمون إلى
قسمين :
أ- الحمائم
(Soft liners)
أو علماء الأصل الواحد للإنسان
(Monogenists)
الذين يؤمنون بما جاء في الكتاب المقدس
(Creationists)
وإن آدم وحواء هما أصل البشرية جمعاء ، وأنهما كانا كاملي الأوصاف قبل
طردهم من الجنة ، ثم دب الانحطاط في ذريتهما ، ولكن
بتفاوت ، حصل فيه
البيض على المرتبة الأخيرة ، والسود على المرتبة الأولى ، وإن المناخ
كان السبب الرئيس للظروف العرقية أو اللونية بينهم . ولكن القائلين
بالانحطاط اختلفوا فبعضهم قال : أنه لا يمكن عكسه ، وبعضهم قال بالعكس
.
ب- الصقور(Hardliners)
أو القائلون بالأصل المتعدد للبشر(Polygenists)
وأن الأجناس البشرية جاءت من أنواع بيولوجية متعددة، أي أنها سليلة
لأكثر من آدم واحد وحواء واحدة ، وأن الجنس الأبيض هو الأرقى بيولوجياً
، والأسود هو الأدنى ، فلا يجوز السماح لأفراده بالمساواة مع بقية البشر . وبذلك يتفقون مع الحمائم في التوجه العنصري .
وبظهور نظرية
التطور البيولوجي الداروينية تم سحب السجادة من تحت أقدام
الطرفين على يد التطوريين(Evolutionists)
ولكن النظرية مع ذلك نالت إعجابهما لأنها قدمت تبريرا – بدا عقلانياً
–
للعنصرية العلمية المشتركة (Scientific
Racism)
التي تجمعهم .
كان فرنسيس جالتون
(1882- 1911)
وهو ابن عم داروين ، رائد الإحصاء الحديث
.
وقد اعتقد أنه بتكريس الجهد والعقل يمكن قياس أي شيء ، والتعبير عنه
كمياً ، وأن الكم هو المعيار الأساسي للدراسات العلمية ولإيمانه
القوي بالبعد البيولوجي لكل سلوك ، ركز على موضوع وراثية
الذكاء ثم تحول – وبقية علماء عصره - إلى قياس الجمجمة مرة من الخارج ،
وأخرى من الداخل ، أو من الخلف أو من الجبهة لتحديد كميته
.
وكانت الإجراءات ونتائج الحسابات والقياسات تجري- في كل مرة – في إطار
التوجه الاجتماعي السياسي للعلماء الغربيين في تلك الفترة : البيض –
وبخاصة الطبقة العليا منهم - يتفوقون على الطبقات الدنيا منهم، والسود
(واليهود) والمرأة يتخلفون عنهم.
لم تكن المناقشات والمطارحات العلمية الدائرة آنذاك تتحدث عن المساواة
وحقوق الإنسان كما هو الحال اليوم ، بل كانت تدور حول تبرير انفراد
الطبقة العليا أو النخبة (كما في بريطانيا) والرجل الأبيض (كما في
أمريكا) بالحكم والامتيازات ، وأن النقص البيولوجي للسود (واليهود) ،
وغيرهم في آسيا وأمريكا اللاتينية ، يبرر استعبادهم أو استعمارهم .
وكما نعرف يستطيع أي باحث يؤمن – سلفاً - بدونية جماعة م
ا أو بموقف ما
اختيار المقاييس أو المقومات أو وضع الفرضيات التي تثبت صحة دعواه أو
موقفه. ويضيف جولد : "وبهذا المنطق يمكن أن يُحتج على البيض أيضاً ، مع
أن أحداً لم يحاول ذلك ، فشفاه البيض – مثلاً - رقيقة ، وهي خاصية
يشتركون فيها مع الشمبانزي بينما
شفاه معظم السود سميكة . إذن فالسود أكثر إنسانية بالشفاه من البيض"
.
وحتى المستنيرين من قادة الرأي في ذلك الزمان- مثل توماس جيفرسون-
كانوا يؤمنون بذلك ولكنهم قالوا :
نعم ، إن السود متخلفين بيولوجياً ،
ولكن حق الإنسان في الحرية لا يعتمد على مستوى ذكائه . كما أن بعضهم –
مثل جيفرسون نفسه
– كان يقول :
إن سبب تخلف السود بيولوجي . فيما قال
آخرون مثل بنيامين فرانكلين :
إنه ثقافي ، لكن جميع قادة أمريكا ظلوا
متعصبين عنصرياً بمن فيهم إبراهام
لنكولن نفسه الذي وإن زاد احترامه للسود أو العبيد السابقين بسبب
أدائهم الجيد في جيش الاتحاد كان يردد في مجالسه ومع محاوريه : "إن
الحرية لا تعني المساواة بين السود والبيض وهي فكرة لم يتخل عنها طيلة
حياته".