من
أسرة مخترقة
إلى أسرة طاردة
أو نابذة
ومثلما تخلت الأسرتان عن الأطفال للمدرسة والإعلام والشارع تخلت عن
المسنين كذلك باعتبارهم أعباء عليها ، "وتجسيداً بيولوجياً لفعل
الماضي" فلا يبقى ثمة أحد في الأسرة ليتعلم عنه الأطفال بالقدوة
والحكمة . وحتى وإن بقي بعضهم في الأسرة فإن التآكل التكنولوجي لخبراتهم
وحلول البيانات والمعلومات وحكم الكمبيوتر محلها يجعلهم
غير مطلوبين.
أما أغذية
الأسرة الجديدة
وأشربتها فقد
أصبحت تأتي
شبه جاهزة من
الدكان والسوق
الاستهلاكي
. لم تعد الأسرة
منتجة (
أو تعرف
طرق الإنتاج
)
لتقوم بحفظ
الأغذية لمواسم
الحاجة إليها.
من كل شيء يلزم
الأسرة اليوم
يشترى يوماً
بيوم أو أولاً
بأول . كما لم
تعد الأغذية
والأشربة
فصلية أو موسمية
أصلية تفوح
منها رائحتها
الطبيعية عن
بعد بل متوافرة
على مدار السنة
بتقنيات الزراعة
الحديثة والهندسة
الجينية ووسائط
النقل السريعة لقد أنهت تكنولوجي
الزراعة الميزة
النسبية للغور
و النمط الزراعي
الذي كانت تفرضه
الطبيعة، وأحلت
محله النمط
الاقتصادي التسويقي
وحولت الزراعة
إلى صناعة. ولكثرة
ما هو معروض
على الإنسان
المعاصر من
سلع وبدائل
لها فإنه يعاني
من قلق الاختيار
. ونظراً
لما لأساليب
العيش الجديدة
من سلبيات وما
تثيره من قلق
على الصحة وتتسبب
فيه من أمراض
صار يتعامل
الناس مع الأغذية
والأشربة وكأنهم
جميعاً محمون (
on diet )
.
ولأن إيقاع
الحياة المعاصرة
سريع سرعة وسائل
الاتصال والنقل
صار الصبر ينفد
بسرعة وفضيلته
تتراجع لتحل
محلها فضيلة
السرعة
(
البقاء
للأسرع
وليس للأقوى
كما يقول ألفن
توفلر
) حين صار
كل عضو في الأسرة
وفرد في المجتمع
يتوقع تلبية
حاجاته ورغباته
في ساعة أو دقائق
وإلا فإنه يحصل
عليها بالسرقة
أو بخداع النفس
بالمخدرات
بأنه يحصل عليها
. وإذا كان لذلك
كله من أثر فإنه
يتجلى في تآكل
عاطفتي الأبوة
والأمومة وفي
سلطتهما الأدبية
والمعلوماتية
على الأطفال
وفي اتساع الهوة
والصراع بين
الأجيال. ولأن
إيقاع الأبوين
والراشدين
أبطأ من إيقاع
الأطفال والصبيان
والبنات ، فإنهم
يعانون من القلق
والتوتر بانتظار
تلبية رغباتهم.
لماذا ؟؟؟؟؟
لأن الأطفال المولودين في
مجتمع متسارع يمتصون إيقاعه ويتمثلونه ويندمجون فيه (
العاب الفيديو
الكمبيوترية والكرتون..
) فإنهم ينضجون قبل الأوان ويلجأون إلى دراسة
سلوكيات اجتماعية كانت حكراً على الراشدين كالإنفاق والرياضة والجنس :
(
في دراسة قامت بها الباحثة Elssa
Moses
قدرت ما ينفقه
أطفال العالم
بين سن الخامسة
عشرة
- التاسعة
عشرة بمائة بليون
دولار سنوياً
)
دون امتلاك
الحكمة الناتجة
عن النضج بالتدريج
. ولعله من هنا
أو من هذا ينشأ
الاغتراب الروحي
والأخلاقي.
إن التلفزيون يؤدلج الأطفال
بالمادي الاستهلاكي
السريع ويجعلهم
يرون السعادة
بامتلاكه . يقول
ديفيد الكند
(
أستاذ
علم نفس الطفولة
):"
التسريع لا
يسرع في نمو
الأطفال (فقط)
بل يغير من طبيعة
الطفولة أيضا.
(
وفي
دراسة أمريكية
تبين أن أكثر
من ربع الفتيات
البيض تظهر
عليهن أعراض
البلوغ منذ
سن السابعة
)
وبما أن الأطفال
المسرّعين
يحسون أنهم
أصبحوا (
كباراً
)
أو راشدين وما
هم براشدين
، فإنهم يتصرفون
مثلهم ، ويتأكد
البلوغ عند
كثيرين منهم
بمجرد حصول
الواحد منهم
على رخصة السياقة
أو مفتاح السيارة
.
والحقيقة أن
الأطفال
لم
يتغيروا
ولكن الأزمان
تغيرت.