من
سحر الطبيعة إلى سحر التكنولوجيا
قلنا
أن إنسان الأمس كان ابن الطبيعة وربيبها، وإن سحر الطبيعة كان مصدر
وحيه وإلهامه. وإن الطبيعة (أو قوى السماء) كانت مصدر اللايقين أو
المجهول أو القلق عنده، أي أن القلق كان خارجياً كما يقول
أنتوني
جيدنز. وإن سلوك الطبيعة كان قابلاً للتنبؤ به لأنه يتبع دورة الفصول
الثابتة : وإن التبادل كان عينياً ، والحضارة (وكل الحضارات القديمة
المعروفة الباقية) زراعية الأساس أو المنطلق ، وإن إيقاعها كان بطيئاً
وإن ما يراه الإنسان كان أقل ولكن ما كان يلاحظه كان
أعمق.
أما
إنسان اليوم التكنولوجي فهو – إجمالا ً– ابن الصناعة والتكنولوجيا ،
وإن سحر التكنولوجيا (
آخر موديل أو آخر صرعة..) هو مصدر حبه
وإلهامه ،
وإن التكنولوجيا أو تدخل الإنسان في الطبيعة غير مجرى التاريخ، عندما
صار مصدر اللايقين أو المجهول أو القلق (داخلياً) من صنع الإنسان
(
التلوث . طبقة الأوزون. ارتفاع حرارة الأرض . والهندسة الجينية...
)
والاقتصاد نقدياً (Cash)
يأخذ الآن شكلا رمزيا (Digital)
ببطاقات الائتمان والإنترنت (
نقود إلكترونية
).
إن
حضارة جديدة تماماً آخذة بالتشكل تختلف عن جميع الحضارات المعروفة وهي
حضارة التكنولوجيا أو المعرفة التي تهدد جميع
الحضارات الأخرى الباقية
وتزلزلها.
من
أسرة ممتدة إلى أسرة نووية (ذرية)
كانت
الأسرة الممتدة (
نتاج الموجة الزراعية
) تتكون من ثلاثة أجيال على الأقل
: من الوالدين والأطفال والأجداد أي أن أعمار أفرادها كانت متباينة
تماماً والتفاعل بينهم دائم وكثيف ، فيتعلم الصغار من الكبار
والمجتمع (
بالقدوة
) ومن الطبيعة بالخبرة المباشرة.
وكانت
الطفولة تأخذ وقتها ومداها. وكان الطفل ينتقل إلى البلوغ أو الرشد
مباشرة بالنضج الطبيعي
والاجتماعي دون المرور في ما يسمى بمرحلة
المراهقة التي جاءت بها الثورة الصناعية.
ولما
كانت الأسرة الممتدة منتجة كان جميع أفرادها مطلوبين لها
(
موجودات
assets
)
وأغذيتها وأشربتها ... طبيعية أو فصيلة موسمية. كما كانت حاجاتها
ورغباتها أو خياراتها محدودة للغاية وطرق إشباعها كذلك ( فالسلعة تفصل
للحاجة أي تحول الحاجة إلى سلعة
)،
ولذلك كانت قيم المحبة والاحترام
والتعاون والتضامن والتضحية والصبر ... مهيمنة
عليها.
"نعم
. كانت حياة المرء قصيرة ولكنه كان قوياً متمتعاً بالمناعة الذاتية
أو الطبيعية وكان يموت في البيت وفي أحضان الأسرة ( الهدية النادرة
اليوم
) فلا يلقي بالمسنين خارجها لأنهم علاوة على كونهم منتجين كانوا
في نظر الأسرة والمجتمع
مستودعاً للحكمة والخبرة . أما عقد الزواج
فكان تعبيراً عما قسمه الله للطرف الواحد من نصيب بالآخر، ولذلك كان
بمثابة التزام دائم من الطرفين كل نحو الآخر."