ماذا يعني هذا ؟
إنه يعني أن العيش في بيئة تكنولوجية سريعة يجعلنا غاطسين في اللحظة
الراهنة والمثيرة ، ولأن المثير سرعان ما يتبدد بالتكرار فإننا ننهمك في
البحث عن مثير جديد وهكذا، فنصاب
بالانهيار أو الإعياء
أو الانطفاء (off)
ونصبح بليدين عاطفياً نحو كل ما يتكرر أو يستمر حتى وأن كان
الانتفاضة
أو المذابح الإسرائيلية ، أو المذابح الجزائرية ، أو حصار العراق
المدمر، أو ضرب القوات الأمريكية والبريطانية له يومياً.
وعندما يتبلد الإحساس يجد صاحبه نفسه بحاجة إلى إعادة تعبئة خزانه
النفسي أو شحن بطاريته (On)
بالوقود وهو هنا وجبة جديدة من الإثارة حتى وإن كانت فضائح أو إشاعات
لا أساس لها من الصحة، أو مسلسل للعنف أو الجريمة . وهي حالة يستغلها
منتجو الثقافة الاستهلاكية الجدد الذين يسيطرون على مشاعرنا بالتحكم
بمدخلاتها ، فالحادثة التي لا نعلم عنها لم تقع ، والإشاعة أو الفضيحة
واقعة حقيقية ، والحروب مجرد عارض والانتفاضة مسلسل تلفزيوني مسل.
والإثارة هنا هي الجديد جداً (Breaking News : CNN)
فقد أصبح الجديد ديدن المجتمع المعاصر أو دينه . وكأن الناس فيه – وكما
يقول أحد الأساتذة ( ستيفان بيرتمن) – يعيشون في ثقافة ميكروفية
يتوقعون بها إنجاز كل شيء بسرعة الكترونية . والنتيجة: نفس قصير وملل
وضيق سريع وشديد ، يبلغان منا أشدهما بالتزمير لسائق السيارة التي
أمامنا لتنطلق وقد
أصبحت إشارة المرور خضراء ، وبعصبيتنا لتأخر
الطائرة، أو للفرق بين الإرسال
والاستقبال.
لقد جاءت
الثورتان : الصناعية والتكنولوجية بثورة ثالثة ولكنها
اجتماعية مادية
وهي الثورة
الاستهلاكية. لقد صنعتا مجتمعاً جديداً هو المجتمع
الاستهلاكي . وبعدما كانت حاجات الإنسان إبان الموجة الأولى (الزراعة)
بيولوجية نفسية محدودة وأساليب إشباعها محدودة ، صارت بازدياد مضطرد نتيجة التطور
التكنولوجي والدعاية والإعلان ... للسلع والخدمات الجديدة.
كان الإنسان
(الطبيعي) يحس دوماً بالنقص وبعدم الكمال ويسعى دوماً لبلوغه. كان
الوجود عنده يتقدم على الإمتلاك. وبعكس الإنسان التكنولوجي الإستهلاكي
الذي صار الإمتلاك (إمتلاك الأشياء) يتقدم عنده على الوجود .
ثم صار الهدف الأسمى في الحياة عنده الحصول على المتعة الإستهلاكية أي
ان المادة – لا المعنى أو القيمة- صارت مصدر الرضا الفردي والشعبي عند
الإنسان أو المجتمع الإستهلاكي. وصار كل شيء يقاس أو يحكم عليه بمقدار
تسهيله للحصول على المتعة، مما يشتت الإنتباه عن تحقيق مستويات أعلى من
الوجود تجعل الحياة أفضل بالمعنى والقيمة. ويضيف : إن المادية
الإستهلاكية المهيمنة على العالم اليوم أشبه بالنهر الفائض الذي يأكل
ضفتيه ويدمر التربة وآمال الناس.
والحقيقة أن
الإنسان وقد حررته التكنولوجيا من الطبيعة، إلا أنه أصبح عبداً لها
مرتين: الأولى للتكنولوجيا نفسها وقد ادمجها في حياته ، والثانية
للبلدان المتطورة التي تنتجها.
بعد هذه المقدمة أو الخلفية
وحتى لا نتيه وإياكم دعونا نلملم ما أشار العلماء والكتب والمفكرون إليه ونبني عليه
لنكون على بينة من التحولات الاجتماعية الواقعة , والإشكالات والمشكلات
الناجمة عنها .