عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحر
أو شرفتانِ راحَ ينأى عنهُما القمر
عيناكِ حين تبسمانِ تُورقُ الكروم
وترقصُ الأضواءُ.. كالأقمارِ في نهر
يرجُّهُ المجذافُ وَهْناً ساعةَ السحر
كأنّما تنبُضُ في غوريهما النجوم
وتغرقان في ضبابٍ من أسىً شفيف
كالبحرِ سرَّحَ اليدينِ فوقَهُ المساء
"دفءُ الشتاءِ فيه وارتعاشةُ الخريف
والموتُ والميلادُ والظلامُ والضياء
فتستفيقُ ملء روحي، رعشةُ البكاء
ونشوةٌ وحشيةٌ تعانق السماء
كنشوةِ الطفلِ إذا خاف من القمر
كأنَّ أقواسَ السحابِ تشربُ الغيوم..
وقطرةً فقطرةً تذوبُ في المطر...
وكركرَ الأطفالُ في عرائش الكروم
ودغدغت صمتَ العصافيرِ على الشجر
أُنشودة
المطر
مطر
مطر مطر
|
أنشودة المطر
تحليل القصيدة
أولاً : المضمون :
يبدأ الشاعر بالحديث عن إمرأة قد تكون البصرة أو جيكور أو
العراق أو إمرأة يقصدها ، مشبهاً عينيها بغابتي نخيل هجم
عليهما الليل ، ولم يكتف بهذا التشبيه ، بل أردف يشبهما
بشرفتين راح القمر ينسحب عنهما ، فيتركهما غارقتين في سواد
الليل ، ويدعي أن هاتين العينين عندما تلمعان أو تبتسمان ، فإن
الشجر العادي يكتسب خضرة ، وتتراقص الأضواء تشبه الأقمار تنعكس
على صفحة نهر ينساب فيه زورق يجذف صاحبه برفق وسط الليل ، وكأن
النجوم تخفق في محجري عينها . وهاتان العينان غارقتان في حزن
واضح ـ حزنهما يشبه حزن البحر حين يغمره المساء . وهذا البحر ـ
العينان ـ يحوي متناقضات دفء الشتاء ـ ذبول الخريف ـ وصور
الموت والميلاد والعتمة والضياء !
كل هذه الصور ـ تبعث في نفس الشاعر شعوراً بضرورة البكاء ، و
شعوراً آخر بالنشوة العاتية التي ترتفع روحه من خلالها إلى
عناق السماء ، وهذه النشوة شبيهة بنشوة الطفل عندما يبعث فيه
القمر خوفاً غامضاً ، وهو في هذه الأثناء يستشعر أمراً غريباً
يتمثل في أن السحب تبتلع الغيوم المحملة بالمطر وتذوب فيها .
والشاعر في هذه اللحظة ـ المبشرة بنزول المطر ـ يستشعر مع
أطفال بلاده فرحتهم وسط كروم العنب استبشاراً بسقوط المطر ،
كما يستشعر أن صغار العصافير قد أحست كما الأطفال باللحظة ،
وتمنت معهم أن يكون نزول المطر وشيكاً ، بل وهتفت معهم مطر !
أملاً واستبشاراً بقدومه .
|