والشعوب العربية ، مثل بقية شعوب العالم ، أصبحت منفتحة على العالم
الخارجي أكثر من أي وقت مضى ، وذلك بسبب ما ذكر من تقدم وسائل
الاتصالات والمواصلات . ولأن بلاد العرب تمثل جشسر اتصال ما بين أقطار
العالم بفضل موقعها المتوسط . فضلاً عن وجود عدد كبير جداً من أبنائها
يتلقون دراسات عليا في مختلف أقطار العالم .
من هنا وجب على الشعوب العربية أن تكون واعية أشد الوعي في عملية
الانفتاح على العالم الخارجي ، لأن هذا الانفتاح قد يكون نعمة كبرى وقد
يكون محنة شديدة .
يمكن أن تكون نعمة كبرى ، إذا كان ما يؤخذ من الآخرين يؤخذ عن وعي ومعرفة
وتخطيط . وهذا يقتضي أن يكون لأمة العرب مقاييس خاصة تقاس بها الأمور ،
ويحكم بها على ما هو نافع وما هو ضار . فليس كل وافد من الخارج جيداً
ينتفع به ، ويتلاءم مع بيئتنا ومتطلبات حياتنا . وينبغي أن نتذكر أننا
لسنا أمة دخيلة على التاريخ والحضارة تأخذ من الآخرين دونما تمييز .
فنحن أمة عريقة أعطت الكثير للمجتمع البشري . ولنا مقوّمات شخصيتنا
الحضارية الخاصة بنا . وما نأخذه من الآخرين ينبغي أن يكون منسجماً مع
قيمنا ومبادئنا وشخصيتنا .
ويمكت أن يكون هذا الانفتاح محنة شديدة ، إذا كان يعني الأخذ من الآخرين
دون وعي وتمييز وتدبر . ذلك أن أخذاً كهذا سيترتب عليه انطماس شخصيتنا
الحضارية ، واندماجها في شخصيات الشعوب الأخرى . وبالتالي انتهاء
قدرتنا على الطاء المستقل .
وعلى الإنسان العربي أن يتذكر دائماً أن انفتاح الشعوب بعضها على بعض
يتطلب أن يسهم كل شعب منها في عملية العطاء . حيث يعطي أفضل ما
عنده ليستفيد منه الآخرون ، ويأخذ من الآخرين أفضل ما عندهم
للاستفادة منه .
والشعب الذي يفهم عملية الانفتاح إنها عملية أخذ من الآخرين دون
إعطاء لهم ، إنما يشبه التاجر المفلس الذي يريد أن يدخل في شركة مع
تجارٍ آخرين دون أن يكون معه مال يسهم به معهم فس الشركة. وإغناء
الحضارة العالمية غالباً ما يكون نتيجة تفاعل ما بين الحضارات
المختلفة . إذ أن كل حضارة لها مميزاتها الخاصة ، وقد تكون هذه
المميزات غير موجودة في الحضارات الأخرى ، فتحصل عملية الإغناء عن
طريق التقاء المميزات الحضارية المختلفة معاً ، في تمازج نافع فيما
بينها وليس في ضباع الواحدة منها في الأخرى وفنائها فيها .
بقي أن نتذكر نحن العرب ، ونحن ننفتح على العالم الخارجي ، وعلى
العالم الغربي بصورة خاصة ، أن امتلاك القدرة على صناعة هذه
الأدوات ، ومعرفة العلم اللازم لهذه الصناعة ، وأن علينا أن نسعى
أولاً لامتلاك نلك القدرة وهذه المعرفة ، لكي نتمكن نحن من صناعة
ما نحتاج بأيدينا.
وينبغي أن نتذكر كذلك ، ونحن في معركة حضارية فاصلة مع الصهيونية
التي تحتل أجزاء عزيزة من أرض العرب ومع حلفاء الصهيوينة ، أن في
مواريثنا الحضارية من القيم والمبادئ الإنسانية السامية ما لا يوجد
في أيةِ حضارة أخرى . ولذا فإن علينا أن نحرص عليها كل الحرص
تقديراً لها من ناحية وحفاظاً على شخصيتنا الخاصة بنا من ناحية
أخرى .
د. محمود إبراهيم .
|