مستقبل اللغة العربية
مقتطفات من مقابلة كانت قد أجرتها مجلة الهلال المصريّة مع جبران خليل جبران حول مستقبل اللغة العربية.
(6) وما هي خير الوسائل لإحياء اللغة العربيّة ؟
.... قد تكلَّمت عن المستنبط ونفعه ، والعقيمَ وضرره ، ولم أذكر أولئك الذين يصَرفون حياتهم بوضع القواميس ، وتصنيف المطوَّلات ، وتأليف المجامع اللغوّية – لم أقلْ كلمة في هؤلاء لاعتقادي أنهم كالشاطئ بين مَدِّ اللغة وَجَزْرِهَا ، وأنّ وظيفتهم لا تتعدّى حدَّ الغربلة – والغربلة وظيفة حسنة – ولكن ما عسى أن يُغربلَ المعربِلون ، إذا كانت قوّة الابتكار في الأمّة لا تزرع غير الزّوان ، ولا تحصد إلا الهشيم ، ولا تجمع على بيادرها سوى الشوك والقطرب ؟
أقول ثانية إنّ حياة اللغة ، وتوحيدها ، وتعميمها ، وكل ما له علاقة بها قد كان وسيكون رهن خيال الشاعر . فهل عندنا شعراء ؟ نعم عندنا شعراء ، وكل شرقيّ يستطيع أن يكون شاعراً في حقله ، وفي بستانه ، وأمام نوله ، وفي معبده ، وفوق منبره ، وبجانب مكتبته . كل شرقيّ يستطيع أن يَعتق نفسه من سجن التقليد والتقاليد ، ويخرج إلى نور الشمس ، فيسير في موكب الحياة . كل شرقيّ يستطيع أن يستستلم إلى قوّة الابتكار المختبئة في روحه – تلك القوّة الأزليّة الأبديّة التي تُقيم من الحجارة أبناءً لله .
أمّا أولئك المنصرفون إلى نظم مواهبهم ونثرها ، فَلَهم أقول : لِيَكُنْ لكم من مقاصدكم الخصوصيّة مانعاً عن اقتفاء أثر المتقدِّمين ، فخيرٌ لكم وللغة العربيّة انْ تبنوا كوخاً حقيراً من ذاتكم الوضيعة من أن تُقيموا صرحاً شاهقاً من ذاتكم المقتبسة. ليكنْ لكُمْ من عزَّة نفوسكم زاجراً عن نظم قصائد المديح والرثاء والتهنئة ، فخيرٌ لكم وللغة العربيّة أن تموتوا مهمَلين محتَقَرين من أن تُحرِقوا قلوبكم بخوراً أمام الأنصاب والأصنام . ليكن لكم من حماستكم القوميّة دافعاً إلى تصوير الحياة الشرقيّة بما فيها من غرائب الألم وعجائب الفرح ، فخير لكم وللغة العربيّة أن تتناولوا أبسط ما يتمثَّل لكم من الحوادث في محيطكم وتلبِسوه حلّة من خيالكم من أن تُعرِّبوا أجلَّ وأجمل ما كتَبه الغربيّون .
|
|||||||
Copyright © 2001 - 2012 SchoolArabia. All rights reserved الحقوق القانونية و حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمدرسة العربية |