مستقبل اللغة العربية
مقتطفات من مقابلة كانت قد أجرتها مجلة الهلال المصريّة مع جبران خليل جبران حول مستقبل اللغة العربية.
(3) وما يكون تأثير التطوّر السياسّي الحاضر في الأقطار العربيّة ؟
قد أجمع الكتّاب والمفكِّرون ، في الغرب والشرق ، على أنّ الأقطار العربيّة هي اليوم في حالة التشويش السياسيّ ، والإداريّ ، والنفسيّ . ولقد اتّفق اكثرهم على أنّ التشويش مَجْلبة الخراب والاضمحلال .
أما أنا فأسأل : - هل هو تشويش أم ملل ؟ إن كان ملللاً ، فالمللُ نهاية كلّ أمّة ، وخاتمة كلّ شعب ، الملل هو الاحتضار في صورة النعاس ، والموت في شكل النوم .
وإن كان بالحقيقة تشويشاً ، فالتشويش في شرعي ينفع دائماً لأنّه يبيِّن ما كان خافياً في روح الأمّة ، ويبدّل نشوتها بالصحو، وغيبوبتها باليقظة، وهو نظير عاصفة تهزّ بعزمها الأشجار ، لا لتقتلعها ، بل لتكسر أغصانها اليابسة ، وتُبعثر أوراقها الصفراء . وإذا ما ظهر التشويش في أمّة لم تزل على شيء من الفطرة ، فهو أوضح دليل على وجود قوّة الابتكار في أفرادها ، والاستعداد في مجموعها . إنّما السديم أوّل كلمة من كتاب الحياة ، وليس بآخر كلمة منها ، وما السديم إلا حياة مشوّشة .
إذاً فتأثير التطوّر الاجتماعيّ السياسيّ سيحوِّل ما في الأقطار العربيّة من التشويش إلى نظام ، وما في داخلها من الغموض والإشكال إلى ترتيب وإلفة ، ولكنّه لا ولن يبدِّل مللها بالوجد ، وضجرها بالحماسة ، إن الخزّاف يستطيع أنْ يصنع من الطين جرّة للخمر أو للخلّ ، ولكنّه لا يقدر أن يصنع شيئاً من الرمل والحصى .
|
||||||
Copyright © 2001 - 2012 SchoolArabia. All rights reserved الحقوق القانونية و حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمدرسة العربية |