دراسات في الأدب - المسرحية العربية (مجنون ليلى) / د. عبد الرحمن ياغي
ولقد أدى تقيد شوقي بما اختار من تفاصيل قصة المجنون القديمة ملء مسرحيته بالكثير من الخرافات التي قد يظن أن شوقي قد التجأ إليها جرياً وراء ما يسميه الرومانسيون "باللون المحلي"، ولكنها في الواقع لا تدخل في هذا اللون الذي ظل .
ويجب أن يظل – مقصوراً على بعض المظاهر والعادات الخارجية، ولا يمكن أن يمتد إلى الحقائق النفسية التي يجب أن تظل خاضعة للعنصر الإنساني العام الذي يستطيع وحده أن يكون تلك المشاركة الوجدانية المطلوبة . تقيد شوقي إذن باختيار تفاصيل تلك القصة وصياغتها شعرا غنائيا يبلغ الذروة أحيانا كثيرة، ولكنه لا يستطيع أن يخفي ضعف عنصر الدراما في كثير من مواقف المسرحية، وبخاصة في موقفها الأساسي، وهو الصراع الذي كنا نتوقع من المؤلف أن يركز عليه اهتمامه، وهو الصراع الداخلي الذي كان من الطبيعي أن يثور في نفس ليلى بين حبها لقيس وخضوعها لتقاليد العرب التي تأبى على الفتاة أن تتزوج بمن تغزل بها في شعره وفضح حبه لها. ففي سهولة عجيبة يفوض المهدي والد ليلى لها الأمر لتختار زوجها، وفي سهولة عجيبة تختار ليلى ورداً الثقفي وتفضله على قيس وكل ما نلمسه منها هو ندم على هذا الاختيار. بل إننا لنلمح تناقضاً واضطراباً في تصوير التقاليد العربية التي جعل لها شوقي كل هذا السلطان .
ولا أدل على ذلك من أن نرى ورداً زوج ليلى يمهد لغريمه بعد الزواج فرصة الاختلاء بزوجته، والتحدث إليها في بيته، فهذا ما لا نظن أن التقاليد العربية – بل ولا المشاعر الإنسانية – يمكن أن تجيزه، وأكبر الظن أنه من ابتكار شوقي وإذا كان شوقي قد تقيد إلى هذا الحد بأسطورة المجنون القديمة. فشلت حياله وثلمت بصيرته فهل تراه تحلل من مثل تلك السيطرة في الأسطورة الأخرى، التي اختارها موضوعا لمسرحية عنترة؟ أو تخير من تفاصيل هذه الأسطورة التاريخية ما يماشى فن الدراما، وما يمكنه من تصوير شخصيات إنسانية، نستطيع أن نشاركها حياتها مشاركة وجدانية عميقة . هذا ما سوف نراه .
|
|||||||||||
Copyright © 2001 - 2012 SchoolArabia. All rights reserved الحقوق القانونية و حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمدرسة العربية |