قراءة لمسرحية مجنون ليلى / د.أحمد هيكل
كذلك يؤخذ على المسرحية، أن المؤلف قد جعل بعض
الشخصيات تتصرف تصرفات مخافة للعرف. فمثلا نرى
(ورد) في المسرحية – وهو زوج لي – يبيح لقاء
قيس واختلاءه بصاحبته في بيت الزوجية، وهذا
غير مألوف(4)، مهما قصد به الرشادة بنبل العرب
وسماحتهم ووالد ليلى حين يتقدم إليه ابن عوف
ملحا في إتمام زواجها من قيس، يترك الخيار لها
لتبدي رأيها، فترفض إيثارا للتقاليد، وهذه من
المبالغات المفرطة، مهما أريد الإشادة بمنح
الأب العربي الحرية للبنت ومهما قصد إلى
الإشادة برعاية البنت للتقاليد ... وليلى في
مشهد سمر ليلى نراها تقدم ابن ذريح لصواحبها
وتقدمهن له، تماما كما تفعل الفتيات الحضريات
في العصر الحديث في بعض النوادي أو حفلات
السمر
. وكل هذا مما يخرج المواقف عن طبيعتها المألوفة، ويصرفها عن توقعاتها المنتظرة ومأخذ أخير على "مجنون ليلى" وهو أن الصراع النفسي فيها ليس واضحا بالقدر الذي كان من الممكن أن يتحقق. ففي المسرحية مواقف تتيح فرصة تجليدية هذا الصراع، وبيان كيف تتصادم المشاعر في داخل النفس الإنسانية .
ومن أهم هذه المواقف موقف ليلى،وقد عرض عليها إبداء رأيها في الزواج من قيس. فان المؤلف قد جعل البطلة تعبر في يسر وإيجاز عن رفضها إيثاراً للتقاليد، وكل ما نحسه منها هو مجرد الندم على هذا التصرف بينما كان من الممكن في هذا المجال تصوير صراع الحب والتقاليد في أعماقها، واصطدم صوت القلب بصوت العقل في داخلها، وحرب العرف الجامد للتطور المرن في وجدانها. ووسائل تجلية هذا الصراع كثيرة يعرفها المتمرسون بصناعة الكتابة المسرحية، فهنالك النجوى الداخلية للذات، وهناك الإفضاء والمسارة إلى من يؤتمن على السر،ثم هناك الحلم، وما إلى ذلك من الوسائل التعبيرية المسرحية الكثيرة.
وربما كان اهتمام شوقي بالوصف والعرض الخارجي، أكثر من اهتمامه بالتحليل والاستبطان الداخلي، راجعا لرغبته في أن يمزج بين التمثيل والغناء وعدم رغبته في التمثيل وحده. ومن هنا لم يطالب نفسه بهذا التعمق التحليلي الذي يطالب به مؤلفو المسرحيات الخالصة أنفسهم. وربما كان من الإنصاف أن ينظر إلى مسرحيات شوقي الشعرية من هذه الزاوية. وفي هذا الأطر تعتبر مجنون ليلى حيث يلتقي قيس وصاحبته في دار ورد بعد أن تزوجت- كارهة ومضحية- من هذا الأخير، وحيث أتاح "ورد" هذا اللقاء سماحة منه ورحمة بالمجنون .
|
|||||||||||||
Copyright © 2001 - 2012 SchoolArabia. All rights reserved الحقوق القانونية و حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمدرسة العربية |