لو قيل لك أن المادة تتألف من ذرات ، وأن الذرات تتألف من نواة موجبة الشحنة تدور حولها في مدارات الكترونات سالبة الشحنة ، فهل تثير هذه العبارة في نفسك أي استغراب أو اندهاش ؟ إن حقيقة كهذه أصبحت من مسلمات وأبجديات الكيمياء ، ومن الأمور غير القابلة للشك ، كحقيقة أن الأرض تدور حول الشمس ، أو أن المطر يسقط من الغيوم . ولكن ماذا كان سيحدث لو أن تلك العبارة قد قيلت لجمهرة من العوام أو حتى العلماء قبل قرنين من الزمان ؟ ربما لاتهم قائلها بالهرطقة أو الهذيان أو حتى الزندقة على أقل تقدير ، إن لم يكن مصيره كمصير السحرة والمشعوذين لو قيلت قبل ذلك التاريخ . بدأ البحث عن مفهوم المادة ومكوناتها ومكنوناتها منذ القدم ، ولم يكن المفهوم وليد القرن العشرين أو التاسع عشر ، بل سبق هذين القرنين بقرون عدة وتحديداً في ظل الثقافة اليونانية القديمة ، حيث كان العلم في مهده معتمداً على الحدس في أغلب الأحيان ، وبدرجة أقل بكثير على التجربة والمراقبة والدرس . ففي ظل الحضارة اليونانية حيث كان العالم يسمى فيلسوفاً ، تنازعت نظريات عدة على تفسير المادة ، فمنهم من قال بأن المادة تتألف من الماء ، ومنهم قائل بأن المادة تتألف من الهواء ، ومنهم من نادى بكون النار أو التراب هي أصل الأشياء ، والبعض منهم آمن بأن المادة تتألف من عناصر أربعة هي الماء والهواء والنار والتراب ، ومنهم من أضاف إليها عناصر أخرى أو حتى أدخل عوامل لا حسيه في تفسير الإرتباط بين عناصر المادة كالخير والشر أو الحب والكره ، حتى أن بعضهم قد ذهب بعيداً بافتراض أن المادة تتألف من دقائق غير قابلة للإنقسام يفصل بينها فراغ ، وهم الأقرب الينا الآن في التصور .
|
Copyright © 2001 - 2010 SchoolArabia. All rights reserved الحقوق القانونية و حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمدرسة العربية |