لكم لغتكم ولي لغتي بقلم جبران خليل جبران ( 5 )
لكم لغتكم عجوزاً مُقْعَدَة ، ولي لغتي صبيّة غارقة في بحر من أحلام شبابها .
وما عسى أن تصير إليه لغتُكم وما أودعتموه لغتَكم عندما يُرفَع الستار عن عجوزِكم وصبيَّتي ؟
أقول إنّ لغتكم ستصير إلى اللاشيء . أقول إنّ السراج الذي جَفَّ زيته لن يُضيء طويلاً . أقول إنّ الحياة لا تتراجع إلى الوراء . أقول إنّ أخشاب النعش لا تُزهر ، ولا تُثمر . أقول لكم إنّ ما تحسبونه بياناً ليس بأكثر من عُقْم مزركَش ، وسخافة مكلَّسة . أقول إنّ القيظ في نفوسكم يُسيِّركم مرغمين إلى مستنقعات الكلم . أقول لكم إنّه لا ينتهي هذا الجيل إلاّ يقوم لكم من أبنائكم وأحفادكم قضاةً وجلاّدون . أقول لكم إنّما الشاعر رسولٌ يبلغ الروح الفرد ما أوحاه إليه الروح العام ، فان لم يكن هناك رسالة ، فليس هناك من شاعر.
وأقول إنّما الكاتب محدِّث صادق ، فإن لم يكن هناك من حديث صحيح مقرون ثابت ، فليس هناك من كاتب . أقول لكم إنّ النظم والنثر عاطفة وفكر ، وما زاد على ذلك فخيوط واهية ، وأسلاك متقطعة .
والآن ، وقد طلع الفجر ، أتحسبون أنّني أشكو لغتكم لأبِّرر لغتي ؟ لا والذي جعلني ناراً ودخاناً بين عيونكم وأنوفكم .
إنّ الحياة لا ولن تحاول تبرئة نفسها أمام الموت ، والحقيقة لا ولن تشرح ذاتها لدى البُطل ، والقوّة لا ولن تقف أمام الضعف. لكم لغتكم ولي لغتي .
|
|||||||
Copyright © 2001 - 2012 SchoolArabia. All rights reserved الحقوق القانونية و حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمدرسة العربية |