لم يعد البطل في روايات بلزاك وفلوبير وستاندل وغيرهم من رواد الواقعية الاشتراكية فارساً أو نبيلاً أو إقطاعياً ، يدين العالم له بالولاء ، كما هو حال البطل الكلاسيكي . وهو ليس ذاتياً منطوياً على نفسه أمام العالم، لا يغادرها ولا يسمح لأحد أن يستضيفه في عزلته ، كما هو حال البطل الرومانسي ، ولكنه إنسان عادي ، يلمس العلاقة الوثيقة التي تربطه بالمجتمع ، وأدرك العلاقة الجدلية بينهما ، فهو هو مؤثر ومتأثر في آن واحد، يكافح ليثبت ذاته وينال حقوقه بجهده ، وليس على حساب الآخرين .
في إطار هذه الرؤية ، نجد أن القضية المحورية في روايته ، تدور حول امرأة متمردة على واقعها ، متناقضة المشاعر والرغبتات ، وأن التناقض قد وصل بها إلى حد الفصام ، وأنها قد تجد من يجاملها في بعض نزواتها بل ويشاركها بها ، لكن هذا العدد المريض موجود في كل مجتمع ، ولكنه محدود إلى أنه اقتصر على اثنين أو ثلاثة من أشخاص الرواية الكثيرين ! وقد جعلهم المؤلفين يندمون على مشاركتهم البطلة هذه النزوات ، ثم يتخلون عنها قبل أن تتخلى هي عنهم !
عرضت الرواية بالإضافة إلى تلك الشخصيات الثلاثة ، أناساً عاديين يهتمون بأن يظهروا كما هم في الحياة ، يعيشون في المجتمع ، فهنالك السيد بوفاري الآن المستهتر ، والأم المغلوبة على أمرها إزاء نزوات زوجها والمستسلمة أيضاً ، وهنالك شارل بوفاري الابن ، الذي يُعاني من ضعف في شخصيته ناجم عن غلطة في الشكل ، وعن تربية ريفية قاسية ، والذي غفل عن اكتشاف رغبات زوجته المتناقضة ، وعمل على تلبية كل ما تطلب ، ومع ذلك فقد انفصلت روحياً عنه منذ بداية عهد الزواج . كما أن النماذج المجاملة والطيبة والودودة ، قد ملأت صفحات الرواية . والأمر ذاته يُقال عن وجود نماذج محبة للظهور وأخرى محبة للمال – تجمعه بكل وسيلة مثل ليريه وفانسار ، ونماذج أخرى أرستقراطية ، وأخرى متعالية ، ثم نجد أيضاً فيها النماذج الكادحة التي تسعى لكسب رزقها بعرض جبينها : صاحبة الفندق ، والشماس وسائق العربة – العصفورة . والخدم والمزارعين ، بل لم تخل أيضاً من الشحاذين ، كما اتسعت الرقعة المكانية فيها ، حيث شملت روان وتوست وأنوفيل وباريس وغيرها من المواقع ، ولعل هذا الاتساع ساهم في تشويق القاريء ، وساهم في إضفاء صفة الواقعية على الرواية . منذ وقوع الحدث الرئيس وهو زواج شارل بوفاري من إيما ابنة القسيس (روو) وتتابع الأحداث والوقائع التالية . بين الصراع والتأثير والتأثير بين هؤلاء وصولاً إلى دروة العمل وهو تأزم المواقف مع إيما عندما وقفت فريسة للمرابي لسيريه ، الذي عمل على الحجز على أموال زوجها وممتلكاته ، وسعيها المحموم للحصول على ما يدفع الحجز عن تلك الأموال ، لكن دون جدوى . ووصولاً إلى النهاية أو نقطة التنوير التي انتهت بتناولها السم ثم نهايتها ونهاية زوجها وابنتها .
|
||||||||||
Copyright © 2001 - 2012 SchoolArabia. All rights reserved الحقوق القانونية و حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمدرسة العربية |