أسواقُ العَرَب
لقدْ كانَ قاصدُ هذه الأسواقِ أيامَ الحجِ موزعَ السمعِ بين داعٍ إلى ثأر ، وناشد ضالةٍ ، ومنشد قصيدَةٍ ، وخطيبٍ ، وعارض بضاعَةٍ ، وحامل مالٍ لفكِ أسيرٍ ، وقاصِدِ شريفٍ لإجارةٍ ...
إنَّ أعظمَ ما كانَ يحدوهم على قصد تلكَ الأسواق قيام كثير منها في الأشهر الحرم ، وشيوعُ الأمنِ حُرْمَةً للشهر ، بل أن مواسمَ بعضِ هذه الأسواقِ كانت تقعُ في أيامِ حَجهم .
أما في الأسلام ، وقد تحضَّرَ العربُ ، فَلْم تَعُدْ بهم حاجةٌ إلى مواسمَ وأسواقٍ على ما كانَتْ عليه الحالُ قبلَ ذلكَ ، لأنَ العربَ سَكَنَتْ المُدُنَ من بلادِ الشامِ والعِراقِ ومصرَ ، ومَصّرت هي أمصاراً عَظُمَ شأنُها مَعَ الزمَنِ كالكُوفةِ والبصرةِ وبَغدادَ والقيروانَ ، فصارَتْ كلُ مدينةٍ تستغني بأسواقِها الدائمةِ عَن أسواقِ المواسِمِ ، وكفى الله العربِ مؤونة الترحال بينَ أسواقِ الجزيرة بما فتح عليهم وَسَهَّلَ من تجارات تأتيهم إلى مُدنهم بحيث يَجدونَ في كُلِ بلدٍ عروض كثير من البُلدانِ . وكانَ من البديهي تضاؤل أسواقِ العربِ الأولى بتضاؤل آثارِ البداوةِ من حياةِ العربِ ، فامَّحت تلكَ الأسواقُ قبلَ القرن الثاني الهجري .
إن سوقاً واحدةٍ نشأتْ في الإسلامِ ، واحتفظتْ بكثيرٍ من خصائص أسواق العرب . الأولى وزادت عليها بميزاتٍ واسعةٍ أسْبَغَتها الحضارَة الجديدَة واقتضتها حاجاتُ الرُقي الحديث ، تلك هي سوقُ "المِرْبَدِ" في البصرة السوق : التي كانت مِرآةً تعكسُ حياة العرب كما تصوِّرُ حضارتهم في الإسلام .
والمِرْبد ، لَغَةً ، محبسُ الإبلِ والغنمِ ومَربطها ، وهوَ أيضاً بَيدرُ التمر لأنه يربد فيه فيشمّس .
كانت المِرْبَدث تعجُ بأعلامِ اللُغةِ والأدَبِ والشعرِ والنَحو مَعهم محابِرهُم ودفاترهم وكانوا يكتبون عن فُصحَاء الأعراب . وتشبَه المِرْبَدُ عُكاظَ في أمر الشِعرِ وحلقاته بل تزيد عليهِ ، فلكُلِ شاعرٍ حَلقة ، ولكل مُتهاجِييْن مجلس ، ولكلِ قبيلةٍ نادٍ وشاعرٌ يَرِدُّ ويذودُ .
وكانَ المحصولُ مِنَ الشعرِ والرَجَزِ واللُغةِ والأدب كثيراً بحيثُ ملا أمهات الكتبِ بالنصوصِ والرواياِ والأخبارِ مأخودة عن أعرابِ ثقاتٍ لم تخالطها لوثة العجمةِ واللحنُ .
ويومَ بُنيت بَغداد ، واستع النَشاطُ التجاريُّ فيها للتطور السياسي والحضاري والاقتصادي الهائل ، ازدهرت أسواقُ بغدادَ ازدهاراً تناسبَ ودرجةَ تقدمِ الدولة . فانشئت أسواقٌ كبيرةٌ داخلَ المدينة ، كانَ بعضها متخصصاً في بضائِعَ مُعينةٍ كأسواقِ : البَزّازينَ والعطَارين والصيادينَ والجوهريينَ والسلاح والذهبِ والصيارِفَةِ والصَفّارينَ والعلاّفين والدواب وكانَ بعضها عاماً تجتمع في السوق الواحدةِ مِهَنٌ وبَضائعُ عِدَّةٍ كالدقاقينَ والخبازين وصانعي الحلوى والوراقين وغيرهم . ومن هذهِ الأسواقِ الجامعةِ المشهورةِ سوق الثلاثاءِ في رصافةِ بَغداد(1) .
(1)- بالاستعانةِ بكتابي (أسواق العرب) و (أسواق بغداد)
|
||||||||||
Copyright © 2001 - 2012 SchoolArabia. All rights reserved الحقوق القانونية و حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمدرسة العربية |