إنها
إذن تراجيديا المطر أو بكائية المطر لا أنشودة المطر , يختلط فيها
الخاص بالعام والذاتي بالجمعي ,والوتر المنفرد بالأوتار المصاحبة
,ويبلغ فيها الإيقاع ذروته والسياب يكرر في مقاطع قصيدته فعل المطر
بمقابلة من اللغة فيقول :
مطر ..
مطر...
مطر...
فيصبح
" نصف التفعيلة " في بحر الرجز
الذي قامت عليه القصيدة موسيقياً أفعل في الوجدان من عبارات شعرية
طويلة تجاول أن تصور فعل المطر وهطوله وتدفقه,لقد وجد السياب في
كلمة
" مطر"
ذاتها وفي تكرارها على هذه الصورة وبإيقاعها الذي لا يتجاوز نصف
تفعيلة المقابل المادي والشعوري واللغوي لفعل الإمطار . والصيغة المثلى
لتجسيد تلك الصورة المأساوية التي لم نألفها من قبل في كل شعر المطر –
في ديوان الشعر العربي – حين يقترن المطر هنا بالحزن والموت والتراب
واللحود وعظام الغرقى التي طرحها الخليج على الرمال .
هل كان السياب يدري
وهو
يبدع
" أنشودة المطر" أنه يجاوز شعر الحالة والمقام إلى شعر النبوءة
والخطاب الدائم ؟ هل كان في تصوره الشعوري و الدلالي
ـ
إبان الخمسينيات
الأولى من القرن العشرين
ـ
أن رصده للجوع في العراق بكل ما تمنحه كلمة
"الجوع" من التشظي والإندياح – سيبقى نذيراً فاجعاً , ونبوءة
قاسية محلقة,كغراب أسود ينعق بالبين والخراب والرحيل؟
المؤكد
أن " السياب" لم يشغل نفسه بهذا كله ,كل
ما نعرفه أن المبدع العظيم فيه كان يمارس فعله الإبداعي الرائع فكانت
قصيدته الفريدة
"أنشودة المطر"
نبوءة فاجعة ومتلاحقة, كلما كان الحديث عن العراق !
|