بالأمس كنت إذا كتبت قصيدة فرح الدم فأغمغم وأهيم ما بين الجداول
والأزاهر والنخيل أشدو بها , اترنم :
زاد لروحي منذ سقسقة الصبح إلى الأصيل .
زاد
...لكن عنه قد صدفت , تجوع ولا تريد ما ينعش الآمال فيها .
هي
حشرجات الروح أكتبها قصائد , لا أفيد منها سوى الهزء المرير على ملامح
قارئيها.
|
هَرِم المغنى ؛ هدّ منه الداء فارتبك الغناء
بالأمس كان إذا ترنم يمسك الليل الطروب
بنجومه المترنحات , فلا تخر على الدروب.
|
هَرِمَ المغنى فاسمعوه , برغم ذلك تسعدوه
هو
مائت , أفتبخلون
عليه حتى بالحطام من الأزاهر والغصون؟
أصغوا إليه لتسمعوه
يرثي الشباب ولا كلام سوى نشيج....
هَرِم المغني فأرحموه!!!!!
|
"
إنتاجي الشعري هذه الأيام قليل جداً ,وذلك لإنعدام أي تجربة شعرية
جديدة ....
سئمت
الضرب على وتر أنا مريض, في ما أكتبه من
شعر".
|
|
كتب
السياب قصيدته ( هرم المَغنى )
بتاريخ 5-1-63 التي ظهرت بعدئذٍ في ديوانه
(منزل الأقنان). في هذه القصيدة يقول السياب
:
\
|
في البيتين
الأخيرين نلمس شعور السياب بأنه قد
أكثر من القصائد التي هي
(حشرجات الروح )
.....والتي
بدأ يحس بأن القراء بدءوا يضيقون بها .فيمضي
بعد ذلك ليقول:
\
|
يتألم الشاعر , فوق
ألمه بأوجاعه الجسدية , فيفيض ألمه شعراً يستدر به عطف القراء ,
ويتوسل إليهم أن يسعدوه بالإصغاء إلى غنائه ....
\
|
إن قمة مأساة
الشاعر أن يحس بأنه لم يعد يجد من يقرأ شعره .
ولم يكن السياب كذلك في الواقع , غير أن كثرة
القصائد الطافحة بالألم والشكوى والتذمر التي
كتبها في أعوام المرض الأربعة الأخيرة من عمره
, جعلته يشعر بأن القراء قد ملّوا شعر
الألم , وأصبحوا يحسونه شعراً مشلولاً مثل
صاحبه .وتلك مرارة تزيد من ألم الشلل في أعماق
نفس الشاعر.
يقول
السياب في رسالة كتبها
بتاريخ 12-10 -1963
إلى صديقه الدكتور سيمون جارجي:
\
|
|