الإنسان الافتراضي هو الجواب عن العجز الذي يلاقيه الإنسان الحالي في مواكبة انفجار المعارف والعلوم من حوله، بسبب ارتباطه بالعالم المادي، وحصر نفسه في الزمن والمكان، إنه إنسانٌ من صنع العلم نفسه الذي يمضي الآن منجزا حركتين متوازيتين - متلازمتين، التضاعف بحيث يستحيل على الإنسان الحالي مواكبته، ثم التغيير الجذري للإنسان الحالي (في إطار ما أسميناه بـ «الإنسان الافتراضي») كي يواكب ذلك التقدم والانفجار.
الإنسان الافتراضي كائن يتخطى في الوجود الزمان والمكان، هو الروح في تصور السحرة القدماء، عندما كانوا يقولون: تقوى الأرواح على اختراق الجدران وقطع المسافات في أقل من لمح البصر، بحيث يكون الجني هنا ولا تمضي لحظات حتى يكون في الجهة الأخرى من الكرة الأرضية.
في الواقع تأتي الثورة الرقمية لتنضاف إلى ثلاثة أكبر أحداث (لا يتردد البعض في تسميتها إهانات) عرفها الإنسان: كوبرنيك (إثبات كروية الأرض، ودورانها)، داروين (الإنسان الحالي لا يشكل سوى حلقة في تطور)، فرويد (تحكم اللاشعور في العديد من سلوكات الفرد). إذا كان لا بد من الحديث عن «إهانة»، فإنها تتمثل، في حالة الثورة الراهنة، في تقويض كل ما قضى الإنسان في تشييده آلاف السنين من تمثلات للوجود، وتقطيعات للفضاء والزمن، وإعادة صياغة المجتمع، وربما حتى القضاء على الاختلاف بين الجنسين.
وكما هو الشأن في كل عصر للتغييرات الكبرى، حيث يسبق إيقاع التطور عقليات الناس الذين يتولون زمام قيادة هذا التطور أنفسهم، فإن الإنسان الحالي يمتلكه الخوف، من جهة، ويعبر عن هذا الخوف بالتشبث بقيم الماضي وأعرافه ومؤسساته وإسقاطها على الحاضر بل وحتى المستقبل، من جهة أخرى. في هذا الصدد يمكن افتراض أن للعلم منطقا داخليا يتجاوز العلماء أنفسهم...
|
||||||
Copyright © 2001 - 2010 SchoolArabia. All rights reserved الحقوق القانونية و حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمدرسة العربية |