1. ثورة وشهود
إذا توقعنا في أية نقطة زمنية مقبلة من القرون اللاحقة صار وقتنا الحالي لحظة مرجعية لإحدى أكبر الثورات التي عرفتها البشرية. سيقال: «ظهرت الثورة المعلوماتية في أواخر القرن العشرين». نحن شهود عيان لحدث تاريخي اجتماعي عظيم. نعم، كان معاصرو الثورتين الصناعية والزراعية بدورهم شهودا على حدثين عظيمين، ولكن الفرق بين البشر والوقائع أعظم: لقد أدخل الحدثان السابقان تغييرات جذرية على أنماط التفكير والتنظيم الاجتماعي والعادات الاستهلاكية، لكن دون المساس بالعديد من المؤسسات والقيم السحيقة. بخلاف ذلك، يبدو أن الثورة المعلوماتية بصدد إدخال تحولات أعمق إذا لم يكن بوسع المرء أن يتكهن بمآلها «النهائي»، فالمحقق أنها في الطريق ستعصف بالعديد من القيم والمؤسسات والتنظيمات التي تعتبر ميراثاً بشرياً ينحدر من أعماق التاريخ، مدخلةً إياها إلى متحف التطور، فاسحةً المجال ربما لظهور ما يمكن تسميته بـ«الإنسان الافتراضي».
بعد أقل من قرن، سيكون الفرد، مثلا، خاضعاً لرقابةٍ مشددةٍ بحيث يستحيل عليه أن يرتكب أدنى جريمة أو مخالفة دون الإفلات من وجود شهود على جنحته. وشهود الغد ستكون هي هذه الكائنات الذكية العجيبة التي تسمى «الحواسيب»، التي ستكون حاضرة في سائر الأمكنة، داخل البيت وخارجه، ملازمة أجساد الناس والأشياء المحيطة بهم... ولنا أن نتصور شكل المؤسسات العقابية وحجمها آنذاك: أعداد رجال الأمن والقضاة والمحامين والسجون المحاكم التي سيحتاج إليها المجتمع...
|
||||||
Copyright © 2001 - 2010 SchoolArabia. All rights reserved الحقوق القانونية و حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمدرسة العربية |