إن الواقع البشري يحتضر، ويوشك أن يصبح جثة هامدة، فقد انتشرت
الأنانية، وحوصرت الإيثارية،
وتقوقع
الإنسان
في
حاجته الفردية،
وماتت حرية العطاء الإنساني، لقد شبعت البطولة خبزاً
ولكن الإنسانية
تموت جوعاً، فيا أيها الآباء والأمهات حيث كنتم وحيث
أنتم
اسهروا على أبنائكم،
ومدوا
أيديكم
إلى المدرسة الأولى، شجرة الحياة بجذورها وفروعها، فالمدرسة الثانية هي
القناة بين الآباء والأبناء، بين الجذور والفروع، فهي التي تستطيع أن
توصل المدد الغذائي الذي يروي ظمأ العطشى ويشبع جوعهم، فالمعلمون هم
المعذبون في الأرض من
أجل
غيرهم،
وهم كالأنبياء الذين تسلحوا بالروح،
وهاجموا بالمحبة،
واستشهدوا للحق، ليدرؤوا
عن البشرية الشر، فهل نستلهم منهم مستقبل أبنائنا؟.
إننا
نتوق إلى المعلمين المبدعين، وإلى
المدارس الإبداعية التي تستطيع أن تجعل كل إنسان مبدعاً حراً يكتشف
ذاته ويحدد موقفه،
من العالم بحيث يتميز عن غيره بأصالة ذاتية مستقبلية. وأن
تربي إنسان دين وعدالة، إنسان أخلاق وحق، إنسان محبة وإخلاص، إنسان
إيمان وقوة، فالدين يربط الإنسان بالله، ويربط الإنسان بالإنسان. ولا
فعالية لأحدهما
إلا بحضور الآخر.
إن التربية السليمة المنبثقة عن الصدق،
والإخلاص،
والإرادة والجهد هي التي تنمي مهارات الطفل، وتغني مواقفه واتجاهاته،
وعاداته الفكرية،
وتحسن معرفته وفهمه، فهذه الأمور كلها يمكن أن تكون أدوات تغير دائم،
ووسائل نمو مستمر عند الطفل، وهذا النوع من التربية يشكل نظاماً يجدد
ذاته بذاته بصورة مستمرة، ولذا علينا أن ننأى بعيداً عن التربية
الراهنة لأطفالنا وهي جني الثمار، وقطف الأزهار في وقت يجب أن نعلمهم
فيه كيفية زراعة النبات بأنفسهم،
وكيفية تعهدهم له بالماء والغذاء ليكونوا مبدعين وخلاقين ومبتكرين.
فالعقل ليس
إناء
فارغا يجب أن يملأ بالمعلومات، و
إنما
هو كحجر الشرر يقتدح عندما يحتك بالزند.
فالأسرة والمدرسة تلعبان على مسرح الخلود
أهم
الأدوار وأخطرها؛
لأن العناية بالطفل والإحاطة بأصول تربيته
أهم
ما تحتاج
إليه
الأمم الناهضة التي تطمح في الوصول إلى أوج الرقي والكمال. إن الواجب
المقدس يدعو الأسرة
والمدرسة معا إلى تنشئة
أبناء
مؤمنين بالله، منتمين لوطنهم و أمتهم، متحلين بروح المسؤولية، متابعين
لقضايا الإنسانية وقيمها وتطورها، ومرسخين لقيم العمل الجماعي التطوعي،
منخرطين في العمل المنتج المعبر عن إمكاناتهم
في التجديد والابتكار،
إنهم
أحلامنا
مصدر رقينا وتطورنا، ومصابيحنا في الظلمات كلما أحلولك الليل من حولنا،
وهم شجرة التأمل نهرع
إليها
نستوقدها نارا بل نعتصر زيتها نورا على نور.