تُعتبر المواطنة في مفهومها الشّامل الوجه الأوفى
لاكتمال إنسانيّة الإنسان؛ إذ هي المحرّك الفعّال
لمدنيّته والشّكل الأرقى من أشكال ارتضائه التّعاقد
الاجتماعيّ مظهرا من مظاهر المصالحة بينه وبين طبع
مدنيّ قُدِّر له وفرضته عليه الحاجة واقتضته منه شروط
الإقامة في العالم.
ولمّا كان الانتماء إلى المجتمع محكوما بضوابط ارتضتها
الطّبيعة البشريّة وقرّرتها نظم الحياة، فإنّ الوعي
بهذه النّظم عرفيّة كانت أو مكتوبة وتجسيدَها في سلوك
قويم عُدّ عنوان المواطنة الصّالحة يُعتبر أمرا في
غاية الأهميّة خاصّة في ظلّ ما نشهده في واقعنا اليوم
من حراك اجتماعيّ وسياسيّ وثقافيّ وحضاريّ زعزع ما
خلناه ثابتا من المفاهيم وفتح الآفاق على رؤى جديدة، صارت
فيها ثقافة المواطنة وحقوق الإنسان والدّيمقراطيّة
معياراً من معايير الانتساب إلى الأمم الرّاقية، وشرطا
من شروط إدارة حكيمة للموارد البشريّة، وعنصرا فعّالا
من عناصر خطط التّنمية والنّهوض الاجتماعيّ والاقتصاديّ.
ومن ثمّ فإنّ قياس تقدّم المجتمعات ودرجة تمدّنها
وتحضّرها قد بات الآن متوقّفا على مدى التزام مواطنيها
وهياكلها ومؤسّساتها بالقيم الإنسانيّة واحترامهم
القانون وخضوعهم لأحكامه من دون محاباة أو تفرقة أو
تمييز.
إنّ
المبدأ الأساسيّ في هذه الكفاية ماثل في حتميّة البعد
المدنيّ في الإنسان؛ إذ لا يُمكن للفرد أن يعيش في أيّ
مرحلة من مراحل حياته بمعزل عن الآخر وعن المجموعة،
فلا وجود للفرد خارج المجموعة، بل إنّ غيريّته وإنّيته
تتحدّدان في ضوء انتمائه إلى المجموعة وانتسابه إليها
واندماجه فيها اندماجا يجعل إعداده – أي الفرد
– للانخراط الفاعل في الحياة المدنيّة عملا مركزيّا في
حقل العمل
التربوي الاجتماعيّ، وهو إعداد يقتضي تزويد
الناشئة بقيم
المواطنة ومفاهيمها المفتاحيّة وبمكوّنات المجتمع
المدنيّ وضوابطه تزويدا نطمئنّ به على انخراطهم السّلس
في الحياة الاجتماعيّة والمدنيّة وعلى اكتسابهم بكفاءة
واقتدار صفة المواطن الصّالح.
إنّ
تملك
الناشئة وعيا
مدنيّا وسياسيّا واجتماعيّا أصيلا، لممّا يُمكّنهم من
تحقيق مشاركة إيجابيّة وفعّالة في الحياة العامّة؛ إذ
أنّهم سيترجمون هذا الوعي إلى سلوك مدنيّ عماده عقيدة
الولاء للوطن والإيمان بواجب الدّفاع عنه والعمل على
منعته وعزّته وتقدّمه، وثقافة المواطنة الحقّة وعقليّة
المشاركة والتّسامح واحتراما للآخر وتقدير الاختلاف
والحرص على ثوابت المجتمع،
والاستعداد للعمل
من أجل خير الوطن والمجموعة. |