درس تطبيقي في النصوص الأدبية للمرحلة الثانوية أي بني...منهاج الذوق وتربيته ما الحياة بلا ذوق !
أي بني !أكتب إليك هذا في أواخر مارس ، موسم الربيع ، وموسم الجمال ، وموسم البهجة ، والدنيا – كما قال أبو تمام- : دنيا معاش للورى حتى إذا جاءَ الربيع فإنما هي منظر ولشد ما آسف إذ أَرى مدارسكم وجامعاتكم تعنى بالعقل فتضع له المناهج الطويلة العريضة في مختلف العلوم ، وتمعن في الإجرام فتقلب الآداب والفنون إلى علوم عقلية ، أو نظريات فلسفية ، وتعنى بالجسم فتنظم له الألعاب الرياضية ، وتقيم له مباريات السباق وكرة القدم ورفع الأثقال .. ثم لا تقيم وزناً ولا تضع منهجاً للذوق وتربيته ، وهو الأحق بالعناية والأجدر بالرعاية ، فان قصرت مدارسك وجامعاتك في ذلك ، فتول أنت تربية ذوقك بنفسك ، ووجه إليه كل همتك ، فما الحياة بلا ذوق ، وما الدنيا بلا جمال ؟ وجزى الله خيراً من وجهني إلى الجمال فهويته ، ورتبت في شبابي بائع الزهور بجانب بائع الخبز واللبن ، فأُعجبت بالورد وجماله، وبديع ألوانه ، وبالزهور على اختلاف أنواعها ، في تناسقها وانسجامها ، فكان هذا متعة لنفسي وحياة لروحي بجانب متعة عقلي .
فالفرق بين إنسان وضيع وإنسان رفيع ، ليس فرقاً في العقل وحده . بل أكثر من ذلك فرق في الذوق ، ولئن كان العقل أسس المدن ، ووضع تصميمها ، فالذوق جَمَّلها وزينها . إن شئت أن تعرف قيمة الذوق في الفرد ، فجرده من الطرب بالموسيقى والغناء ، وجرده من الاستمتاع بمناظر الطبيعة وجمال الأزهار ، وجرده من أن يهتز للشعر الجميل ، والأدب الرفيع ، والصورة الرائعة ، وجرده من الحب في جميع أشكاله ومناحيه ، ثم انظر بعد ذلك ماذا عسى أن يكون وماذا عسى أن تكون حياته .
وإن شئت أن تعرف قيمة الذوق في الأُمة ، فجردها من دور فنونها ، وجردها من حدائقها وبساتينها . وجردها من نظافة شوارعها ، وتنظيم متاحفها ، ثم انظر بعد ذلك في قيمتها ، وفيما يميزها عن غيرها من الأُمم المتوحشة والأُمم البدائية .
|
||||||
Copyright © 2001 - 2012 SchoolArabia. All rights reserved الحقوق القانونية و حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمدرسة العربية |