الشكل
الفني والأسلوب في الرواية: يقوم البناء الفني لرواية "اللص والكلاب" على خط الصراع الأساسي بين اللص والكلاب أو سعيد مهران والمجتمع... وهذا الخط يلعب دور الصمود الفقري الذي يربط أجزاء الرواية منذ أول سطر إلى آخر سطر فيها... فلا يتكلف نجيب محفوظ مقدمات لتقديم شخصيات ولكنه يدفع بالقارئ فوراً إلى الموقف الأساسي في الرواية ويمكّن القارئ من أن يضع يده على الخيط الأول وبذلك لا يحس بأنه يوجد هناك حاجز بينه وبين العمل الفني (6). فنجد أن ما يجري في الرواية انما يرى عن طرق انعكاسيه. على وعي الشخصية الرئيسية، سعيد مهران فليس بالروايه راو بالشكل المألوف فيما عدا لحظات قليلة قرب نهاية الروايه، انما هنا شخصية مركزية تمر بأحداث وترصد خواطرها، الماضي فيها والحاضر،وتنتقل طبقا لأسلوب تيار الوعي في الرواية الحديثة، من الحاضر أو اللحظة الراهنة، إلى لحظات من الماضي، كما تنتقل من العالم الخارجي، عالم المشاعر والأحاسيس والمخاوف والآمال التى يعج بها الوعى واللاوعي.فإذا أمعنا النظر في الضمائر المستخدمة والدالة على وجهة النظر المستخدمة في الرواية، وجدناه في أول الأمر تتعدد إذ يقول الراوي المستتر مشيراً إلى ذاته هو فعل هذا أو ذاك، وهو الحال في معظم الرواية ولكنه حين يبدو وكأنه يخاطب ذاته يستخدم ضمير الغائب (هو) أحيانا كما يستخدم ضمير المتكلم (أنا) احيانا اخرى. ونجد مثلا لهذا التعدد في الفقرة الأولى من الفصل الاول : "مرة أخرى يتنفس نسمة الحرية، ولكن في الجو غبار خانق وحر لا يطاق، وفي انتظاره وجد بذلته الزرقاء وحذاءه المطاط... وهو واحد خسر الكثير، حتى الأعوام الغالية، خسر منها أربعة غدرا، وسيقف أمام الجميع متحديا". إلى هنا والضمير السائد هو ضمير الغائب، ولكن السطور التالية ترصد حواراً داخلياً يتشكل عن طريقة موقف درامي يواجه فيه البطل أعداءه، ولعل هذا هو تفسير استخدام ضميري المتكلم والغائب في هذا الحوار الصامت الذي لا يعدو أن يكون انعكاسا لوعي سعيد مهران : " آن للغضب أن ينفجر وأن يحرق، وللخونة أن ييأسوا حتى الموت، وللخيانة أن تكفّر عن سحنتها الشائهة. نبوية عليش، كيف انقلب الاسمان اسما واحداً، أنتما تعملان لهذا اليوم ألف حساب،... استعن بكل ما اتيت من دهاء، ولتكن ضربتك قوية كصبرك الطويل وراء الجدران... أنسيت يا عليش كيف كنت تتمسح في ساقي كالكلب ؟ ألم أعلمك الوقوف على قدمين ؟ ولم تنس وحدك يا عليش ولكنها نسيت أيضا، تلك المرأة النابتة في طينة نتنه اسمها الخيانة... الخمّارات أقفلت أبوابها ولم يبق إلاّ الحواري التي تحاك فيها المؤامرات... الذكرى المظلمة، حيث سرق السارق، وفي ومضة عين انطوى، الويل للخونه، في هذه العطفه ذاتها زحف الحصار كالثعبان ليطوق الغافل، وقبل ذلك بعام خرجت من العطفة ذاتها تحمل دقيق العيد والأخرى تتقدمك حامله سناء في قماطها، تلك الايام الرائعة التي لا يدري أحد مدى صدقها، فانطبعت آثار العيد والحب والابوه والجريمه فوق أديم واحد"
فاذا حاولنا تحليل هذه الفقرة إلى عناصرها الأولية : وصف المكان ووصف المشاعر ورصد الذكريات، وجدنا كيف تضفي المشاعر المرتبطة بالموقف الأصلي، موقف البطل الذي يعاني وقد عانى طوال أربعة أعوام من أثر الخيانة، لونا خاصا على وصف الأماكن، فالصور الفنية المرتبطة بالماضي البعيد صور مضيئة بالحب بينما صور الماضي المرتبطة بالخيانة صور قاتمة كريهة، تجعل صاحب الوعي المرصود في هذه الفقرة يحس المكيدة والمؤامرة، ونرى هنا مثلا لاستخدام صور الحيوان والزواحف البغيضة مثل صورة الثعبان، التي ستصبح احدى السمات الاسلوبية السائدة في الرواية القائمة على رصد وعي الشخصية الرئيسية وهي شخصية سعيد مهران الذي خانه استاذه وصديقه وزوجته، وخرج من السجن ليواجه عالماً بغيضاً لا يضيئه سوى بصيص من ذكريات الماضي من ناحيه وحب نور، الذي يظل حتى النهاية تقريبا، حب من طرف واحد من ناحية أخرى.
|
||||||||||||
Copyright © 2001 - 2012 SchoolArabia. All rights reserved الحقوق القانونية و حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمدرسة العربية |