تقديم :
إننا بحسب هذا التصور ، لانميز بين التراث كواقع ،
والتراث كمفهوم ، والواقع باعتباره مفهوما وتجربة في
آن واحد. وعدم التمييز هذا يجعلنا نضع حدا زمانيا
فاصلا يغدو بمقتضاه ماهو "تراث
" منتهيا ، ومتصلا بالماضي ، وما هو واقع ما يزال قيد
الوقوع . ولا ننظر في الزمان بصفته امتدادا يتداخل فيه
الماضي السحيق بالحاضر والمستقبل. ومرد هيمنة هذا
التصور يؤوب في تقديري إلى ارتهاننا إلى رؤية خاصة
تتصل بالرواية من حيث نشأتها في تاريخنا الحديث.
لكننا عندما نتأمل النصوص الروائية ، وهنا نحن أمام
"عرس
الزين"
، نجد أنفسنا أمام رواية تحطم هذا الاعتقاد الزماني :
فهي تقدم لنا "
الواقع
" المعيش من خلال قرية سودانية ، والآن ( العصر الحديث
) باعتبار صلاتهما
بما هو "
تراثي
" وعلى أصعدة شتى ، سنتوقف عندها ، بحيث تدفعنا إلى
التساؤل في نهاية التحليل : ما هي حدود الواقع ؟ وما
هي حدود التراث ؟ وما هي حدود
" التأصيل
"
الروائي
؟ وماهي حدود التجريب على صعيد الكتابة ؟
الرواية والاختلاف :
الرواية نوع سردي يقوم على الاختلاف مع الأنواع
السردية العتيقة ، وله قدرة على استيعاب مختلف الأجناس
والأنواع وتحويلها . وهنا مكمن إنتاجيتها كي لا أقول "حداثتها".
إنها منفتحة على الزمان وعلى الإبداع . هذا الانفتاح
هو مصدر فنيتها وإبداعيتها ، سواء تحقق ذلك من خلال
معالجتها الحدث في التاريخ السحيق أو في الواقع المعيش
، أو المستقبل الممكن أو المتخيل . لذلك عندما نعتمد
البعد الفني أساسا للتحليل ، نكون نسعى إلى تجاوز
التصنيفات المسبقة التي تتحدث عن "
التأصيل
" أو "التحديث
" بناء على علاقة القصة بالخطاب في الرواية فقط ، دون
اعتبار علاقة الخطاب بالقصة . وتبين لنا "عرس
الزين"
باعتبارها رواية كيف يتحقق الاختلاف من خلال استيعابها
أنواعا قديمة ، وتفاعلها معها عبر تحويلها وهي تجري
أمامنا في الواقع .
|