2. أولوية الافتراضي على الواقعي
ثمة من لا يتردد في اعتبار أن عملية إحلال الشأن الافتراضي محل نظيره الواقعي تشكل جوهر التحولات التي تطبع بداية الألفية الثالثة، وأنها - بصرف النظر عن أي حكم للقيمة - تتقدم باعتبارها حركة «صيرورة» تحول الإنسان الحالي إلى إنسان «آخر». هذه الأولوية للافتراضي تتجاوز حقل الإعلاميات والتواصل إلى جسد الإنسان نفسه واشتغال الاقتصاد والمؤسسات والمقاولات...، بما فسح المجال لأسئلة من نوع: هل يجب التخوف من سحب كلي للواقع؟ هل نحن أمام نوع من التلاشي الكوني، كما يوحي به بودريار؟ هل نحن تحت تهديد تلاش تام للثقافة؟ هل نحن أمام ابتلاع رهيب للزمن-المكان، كما أعلن عن ذلك بول فيريليو منذ سنوات عديدة؟..
تشكل وسائل الاتصال، وعلى رأسها، شبكة الأنترنيت، أداة ومسرحا هذه الهجرة المكثفة لقطاعات الواقع إلى عالم الافتراض؛ فمع الهاتف والتلفزة وأبناك الدم وزرع الأعضاء وعمليات التلقيح وتحولات النظم الغذائية... يشهد الجسد البشري وحواسه دخولا في شبكة من التواصلات والتنقلات صار من المتعذر معه تحديد هذا الجسد باعتباره وحدة مادية محصورة في الزمان والمكان، إذ ثمة من يقول اليوم بضرورة الحديث عن «الجسد المتشعب»، على غرار ما يتم الحديث، في حقل الإعلاميات، عن «النص المتشعب» (أو التشعبي). مثل النص التشعبي الذي هو نص غير خطي أو مجموعة من العقد المرتبطة فيما بينها عبر تداعيات بارتباطات مرئية، تتيح السفر من معلومة إلى أخرى، صار الجسد المفرد، بما يُزرع فيه من أعضاء أجساد أخرى، ليست بشرية بالضرورة، وينقل إليه من دم محفوظ في أبناك تقع في نقط متباينة من الكرة الأرضية، الخ.، صار مجرد عقدة في نسيج، أو فقرة في نص أكبر هو الجسد التشعبي... ومع شبكة الأنترنيت، تحررت المقاولات والمؤسسات التجارية والشركات من قيدي المكان والزمان لصالح وجود وتنظيم افتراضيين يتيحان للعمل أن يتم عبر نقط جغرافية متباعدة، داخل البلد الواحد أو داخل بلدان عديدة، حيث كل موظف يؤدي عمله من داخل بيته...
الأنترنيت، بأبسط تعريف، هو أكبر شبكة في العالم من الحواسيب المرتبطة فيما بينها بلغة تفهمها جميع هذه الآلات. وأصالة هذه الشبكة تتمثل في نقطتين: جميع الآلات تعتبر متساوية فيما بينها، ثم الشبكة نفسها ليست في ملكية أي أحد، لا يمكن أن تخضع لأي قانون، ولا أن تخضع - نظريا - لتحكم أي فرد أو مقاولة. وبذلك فهي تتيح لأي فرد، من أي نقطة في الكرة الأرضية، أن ينقل أي نوع من المعلومات أو المعطيات بمنتهى السرعة.
|
||||||
Copyright © 2001 - 2010 SchoolArabia. All rights reserved الحقوق القانونية و حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمدرسة العربية |