رَأَيْتُهُ يَحْمِلُ فَأْسَهُ على كَتِفِهِ مُسْرِعَاً إِلَى عَمَلِهِ، قَبلَ شُرُوقِ الشَّمْسِ فَتَقَدَّمْتُ إِلَيْهِ وَسَأَلْتُهُ أَينَ يَعْمَلُ؟ فَأَجَابني بِفَخْرٍ واعْتِزَازٍ: في حَقْلِي الذي نَشَأتُ وَتَرَعْرَعتُ فيهِ، مِن يَوْمِ كُنتُ طِفْلاً حتى كَبِرْتُ، كُنْتُ أَحْمِلُ على رَأسِي الأًكْلً لِوَالِدي الذي كَانَ كُلَّمَا رَأى مَا أَحْمِلُهُ قَالَ: لا بَأْسَ عَلَيْكَ، غَدَاً سَتُشَارِكُنِي فِي حَرْثِ الحَقْلِ وَزَرْعِهِ. وَكُنْتُ أَسائِلُ نَفْسِي قَائِلاً: أَأَسْتَطِيعُ أَن أُشَاركَه كَما يَقُول؟
لَقَد بَقِيتُ هَكذا حتى كَبِرْتُ وَشَارَكْتُهُ فِعْلاً، بَلْ حَمَلْتُ الأَمَانَةَ بِنَفْسِي يَومَ رَحَلَ وَنَأَى عَنا. كَانَ رَحِمَهُ الله في السَّابِقِ يَأْمُرُنِي فَأُطِيعُهُ، أَمَّا الآنَ فَأَنَاَ سَيّدُ حَقْلِي أَعْمَلُ وحدي كَي أؤمِّنَ قوتَ أَطْفَالِي وَأَهلي. أَخرُجُ من بَيْتِي مبكراً أَتَحَمَلُ البَرْدَ القَارِسَ شِتَاءً والحَرَّ اللافِحَ صَيْفَاً، أَنْتَظِرُ الغَيْثَ حَتَى يَأتِي، فَإِذَا انْهَمَرَ وَتَوالى، اسْتَبشَرْتُ بِناتجٍ خصْبٍ يَفْرَحُ لَهُ قَلْبِي وَتَهْتَزُّ له نَفْسِي.
هذه هي نَشْأَتِي وهذه هي حَيَاتِي وأَنا سَعِيدٌ كلَّ السَّعَادَةِ بِما أَعمْل.
مَا كِدتُ أَسْمَعُ هذا الكلاَمَ حَتى قُلْتُ مَا أَجْدَرَهُ بالإكرَامِ.
|
|||||||||||||
Copyright © 2001 - 2011 SchoolArabia. All rights reserved الحقوق القانونية وحقوق الملكية الفكرية محفوظة للمدرسة العربية |