كانت جريمةُ العصرِ الكُبرى محاولةَ الاستعمارِ أنْ يَسْرُقَ لسانَ أمَّةٍ أَعرقَ منه في الوجودِ ، وأغنى في الميراثِ الحضاريِّ . والأمُّةُ قد تُمْتَحنُ باحتلالِ أرضِها فَتُناضِلُ من أجلِ الحُريّةِ حتى تَستَرِدّها على المدى القصيرِ أو الطويلِ، وتُمْتَحَنُ باغتصابِ خيراتِ أرضِها وأرزاقِ بنيها فَتَحْمِلُ الجوعَ والحرمانَ ، وتَقتاتُ من أمَلِها المرجوّ في الخلاصِ . بل قد تُحارَبُ في عقيدتِها فيتصدى الضميرُ الشعبيُّ بالرَّفْضِ والتحدي . لكنّها حينَ تُمْتَحنُ بِسَرِقةِ لسانِها تضيعُ . تُمْسَخُ شَخصيتُها القوميَّةُ، وتُبْتَرَ من ماضيها وتراثها وتاريخِها ثُمَّ تَظَلُّ محكوماً عليها بأن تبقى أبداً تحتَ الوصايةِ الفكريّةِوالوجدانية للمُسْتَعْمِرِ حتى بعد أن يَجْلوَ عن أرضِها ، يَشدُّها إليه نوعٌ من الاستعبادِ الفكريِّ ، إذ لا تُجِدُ غيْرَ لسانِه وسيلةً للنُطْقِ والتعبيرِ ، ولا تَلْتَمِسُ في غيرِ مكتبتِهِ زادَها الفكريَّ والأدبيَّ والثّقافيَّ .
(بنت الشاطئ)
|
|||||||
Copyright © 2001 - 2012 SchoolArabia. All rights reserved الحقوق القانونية و حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمدرسة العربية |