تركيب :
ينجح
الطيب صالح في بناء رواية عرس الزين على "
الخبر
" . ويوظف لتوسيعه وتشعبه نوعين آخرين هما
إن التاريخ القديم
بأشكاله ومثله وقيمه ما يزال ممتدا في الحاضر . يبرز
ذلك بجلاء في كون استثمار البنيات الحكائية القديمة (
الخبر ) وأشكال تلقيه وتأويله، ومختلف أنواع
الحديث أو القول ، وخاصة "
القسم
" ،
وأٌقوال
الزهاد ذات الطابع التنبؤي،
جاءت لتصب جميعا في قالب "
العجائبي
" الذي تزخر به الرواية ، وتكشف لنا عن العلاقة بين
الواقع والتاريخ والتداخل الحاصل بينهما :
فالحلم ، والخربات المسكونة ، ودعوات الحنين كلها لها
دور كبير في طبع عالم الرواية ومجتمعها بالطوابع التي
تؤكد ذلك التواشج الذي نلمسه في التاريخ العربي ، وإذا
هو متصل بعالم القرية
.
وهناك عناصر أخرى لها أكثر من دلالة في النص الروائي ،
وهي تعمل مجتمعة على تأكيد ما نرمي .
إن
تداخل الواقعي والتاريخي ، يجعلنا نستعيد ما قلناه في
البداية عن العلاقة بين التـأصيل والتجريب
ويدفعنا إلى استخلاص أن الروائي وهو يشتغل بما يزخر به
الواقع من قيم متناقضة وممتدة من التاريخ ، يمكن أن
يسهم في تـأصيل الرواية العربية دون أن تكون تجربته
مستمدة من التراث السردي العربي . فالتداخل بين الواقع
والتراث ممتد في الزمان ، وهناك العديد من العناصر
التي نتعامل معها الآن بأنها من صميم التراث ما تزال
تجلياتها بارزة في واقعنا . وحين يوظفها روائي من طراز
الطيب صالح ، فإنه بذلك يدفعنا إلى معاينة الحدود
القائمة بين الواقع والتاريخ، بين الحداثة والتراث من
منظور مخالف لما يشيع في الأدبيات الرائجة ، وينبهنا
إلى ضرورة التساؤل بصددها .
نجد الجواب الواضح عن الإشكال الذي نطرح الآن كامنا في
ما يسمى بـ
"
الثقافة الشعبية
"، إذ كلما نجح الروائي في الإنصات إلى نبض الواقع
وبما يمور به كان التداخل واضحا بين التاريخي والواقعي
، وبينهما والأسطوري ، وبين مختلف الأشكال السردية
التي وظفها العربي منذ القدم للتعبير عن هواجسه
وأحلامه . وحين يمسك الروائي بمختلف هذه
المكونات ، تتداخل الرواية بغيرها من الأشكال ، فيقع
استثمارها على النحو الذي يضعنا أما الفعل الإبداعي
الذي يظل ينهل بوعي أو بدون قصد من الثقافة الشعبية
باعتبارها ذاكرة ، أو تجسيدا ثقافيا ما يزال ينبض
بالحياة . والروائي الحقيقي هو الذي يلتفت إلى هذا
الطابع الشعبي الذي ترثه الرواية بامتياز ، فإذا هي
تنفتح على كل التراث، وتتمثله ، وتستوعبه ،
موظفة إياه في صور نابضة بالحياة فيتصل الزمن
الماضي بالحاضر ، بشكل يجعلنا نرى التداخل والتكامل
بينهما .
هذا التوظيف الخاص للواقع في امتداده التاريخي ، هو
الذي أعطى لرواية "
عرس
الزين
" طابعها الخاص ، الذي يتمثل في اتصالها بالواقع ،
وبالحياة الشعبية في أعمق تجلياتها ، وصورها التي
تصلها بالتاريخ وبالإنسان العربي في انتمائه الثقافي
والحضاري ،
ولعل تحليلا شاملا وأوسع للرواية
قمين بجعلنا نلتفت إلى هذه الطوابع المهمة والغنية ،
والتي بدأت الرواية العربية تتعامل معها بوعي ،
وبصور عديدة تستدعي البحث والسؤال.
|
||||||||
Copyright © 2001 - 2010 SchoolArabia. All rights reserved الحقوق القانونية و حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمدرسة العربية |